بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق خلقه أطواراً.. وصرفهم كيف شاء عزة واقتداراً..
وأرسل الرسل إلى الناس إعذاراً منه وإنذاراً..
فأتم بهم نعمته السابغة.. وأقام بهم حجته البالغة..
فنصب الدليل.. وأنار السبيل..
وأقام الحجة.. وأوضح المحجة..
فسبحان من أفاض على عباده النعمة.. وكتب على نفسه الرحمة..
أحمده والتوفيق للحمد من نعمه.. وأشكره على مزيد فضله وكرمه..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. كلمة قامت بها الأرض والسموات.. وفطر الله عليها جميع المخلوقات..
وعليها أُسّست الملة.. ونُصبت القبلة.. ولأجلها جُرِّدت سيوف الجهاد .. وبها أمر الله سبحانه جميع العباد..
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. أرسله رحمة للعالمين.. وقدوة للعالمين..
أرسله بشيراً ونذيراً.. وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً..
وأمده بملائكته المقربين.. وأيّده بنصره وبالمؤمنين..
وأنزل عليه كتابه المبين..
أفضل من صلى وصام.. وتعبد لربه وقام.. ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام..
أما بعد:
فهذه وقفات وتأملات.. في أحوال الخاشعين والخاشعات..
نؤَمِّن فيها على الدعوات.. ونمسح الدمعات.. ونذكر الصلوات..
نقف على مآذن المساجد..
فهاهي دموع المآذن تسيل.. في البكور والأصيل..
عجباً هل تبكي المآذن؟! نعم تبكي المآذن.. وتئن المحاريب.. وتنوح المساجد..
بل تبكي الأرض والسموات.. وتنهدُّ الجبال الراسيات.. إذا غاب الصالحون والصالحات..
تبكي.. إذا فقدت صلاة المصلين.. وخشوع الخاشعين.. وبكاء الباكين..
تبكي.. لفقد عَمَارها بالأذكار.. وتعظيم الواحد القهار..
فمن يمسح دمعها.. ومن يرفع حزنها.. { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ. رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ..
إنها الصَّلاةُ.. قرَّةُ عيونِ الموَحِّدين.. ولذَّةُ أرواح المحبين..
الصلاة بستان العابدين.. وثمرة الخاشعين..
فهيَ بستَانُ قلوبهم.. ولذَّةُ نفوسهم.. ورياضُ جوارحهم.
فيها يتقلبون في النعيم.. ويتقربون إلى الحليم الكريم..
عبادة.. عظَّم الله أمرها.. وشرَّف أهلها..
وهي آخر ما أوصى به النبي عليه السلام.. وآخر ما يذهب من الإسلام.. وأول ما يسأل عنه العبد بين يدي الملك العلام..
الصلاة أحد أركان الإسلام.. ومبانيه العظام..
ومن عظمة قدرها.. ورفعة شأنها أن الله لما أراد أن يفرضها على عباده.. رفع خاتم الأنبياء.. إلى أعلى السماء.. ثم خاطبه بفرضها.. ووعد بعظيم أجرها..
كما في الصحيحين.. أنه صلى الله عليه وسلم قال في قصة الإسراء والمعراج:
«فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل: من هذا؟
قال: جبرائيل.. قيل: ومن معك؟
قال: محمد.. قيل: وقد أرسل إليه؟
قال: نعم. قيل: مرحباً به.. فنعم المجيء جاء.. قال صلى الله عليه وسلم: ففتح..
ثم ما زال صلى الله عليه وسلم يصعد في السماوات.. حتى وصل إلى السماء السابعة.. قال:
ثم صعد بي إلى السماء السابعة.. فاستفتح جبرائيل قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل.. قيل: ومن معك؟ قال: محمد.. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء..
فلما خلصت إذا إبراهيم قال: هذا أبوك إبراهيم فسلِّم عليه.. فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح
ثم رفعت إلى سدرة المنتهى.. ثم فرض علي الصلوات خمسون صلاة كل يوم..
فرجعت فمررت على موسى فقال: بما أُمرت؟
قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم..
قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم.. وإني والله قد جربت الناس قبلك.. وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة.. فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك..
فرجعت فوضع عني عشراً. فرجعت إلى موسى فقال مثله.. فرجعت فوضع عني عشراً..
فرجعت إلى موسى فقال مثله..
فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم فقال مثله..
فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم..
فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ فقلت بخمس صلوات كل يوم..
قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم.. وإني قد جربت الناس قبلك.. وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة.. فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك..
فقال صلى الله عليه وسلم: سألت ربي حتى استحيت.. ولكني أرضى وأسلم..
قال صلى الله عليه وسلم: فلما جاوزت ناداني مناد.. أمضيت فريضتي.. وخففت عن عبادي..
فنحمد الله العظيم الذي أذن لنا بالوقوف بين يديه.. والإقبال بالقلوب عليه.. وشكاية الحاجات إليه..
نعم.. إنّ الصَّلاةَ صلةٌ ولقاءٌ.. وتعبد ووفاء.. بين العبد في الأرض.. والرب في السماء..
هي المعين الذي لا ينضب.. والزاد الذي لا ينفد..
ولقد كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة..
بل إن كشف الكربات.. وإجابة الدعوات.. يكون أعظم ما يكون الصلوات
فهي عند الصالحين الطريقُ لرفع البلاء.. وإجابةِ الدعاء..