معجزة النبي في بركة السوائل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا مسرور بوجودكم معنا وأسأل الله تعالى أن يجعل حضوركم في ميزان حسناتكم.
لا يزال حديثنا في برنامج دلائل وشمائل عن دلائل النبوة عند الأنبياء عموما ونحن لا نتكل في سير الأنبياء ولقد لاحظتم عندما تكلمنا عن معجزات سليمان عليه السلام لم نتكلم عن تفصيلات في حياة سليمان إنما تكلمنا عن نظرات حصلت في معجزات سليمان عليه السلام وذلك حتى يكون البرنامج محددا في أطر معينة في موضوع معين.
كذلك نحن نتكلم عن نبينا وحبيبنا فلا نتكلم عن حياته ومولده وما يتعلق بغزواته وتعامله مع أصحابه إنما نتكلم عن معجزاته بالتحديد معجزات تتعلق بإكثار الطعام ومعجزات تتعلق بتأثيره في الحيوانات عندما ضرب جمل جابر وكان مريضا ولما دعا جملا كان يضرب صاحبه فدعاه فجاء هادئا ساكنا على النبي عليه السلام وهذه كلها قد تقدمت معنا وتعالوا اليوم نقف على نوع جديد من دلائل النبوة لنبينا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام.
ومعرفتنا لهذه الدلائل هي حق له علينا وذلك أن الله تعالى أوقع هذه الدلائل أعني دلائل النبوة لأجل أن نزداد إيمانا مع إيماننا ولأجل أن توقن فعلا أن هذا نبي ليس مجرد أنه نبي وأنه جاء بالرسالة وهذا أمر والأمر الثاني أنك إذا عرفت هذه الدلائل ازددت محبة للنبي عليه السلام وشعرت بتميزه عنك وبأحقية أنك تتبعه في أقواله وأفعاله وتتصف به ما استطعت من أخلاقه عليه السلام.
هناك حوادث كثيرة في تكثير الماء عند تأثيره بالمياه وفي تكثيرها فمن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم عندما خرجوا إلى الحديبية خرج الصحابة وكان عددهم 1400 صحابي مع النبي عليه السلام محرمين ملبين يريدون أن يطوفوا ويسعوا ليؤدوا العمرة لله تعالى في بيت الله الحرام فوقفت قريش على أبواب مكة ومنعتهم من دخولها وأول ما منعوا من دخول مكة لبثوا في مكان اسمه الحديبية وصار هنالك مراسلات بينهم وبين قريش يطلبون منهم الرجوع والصحابة لا يرجعون فيقول جابر رضي الله عنه طال مكوثنا في الحديبية وانتهى الماء الذي معنا فوضع بين يدي النبي عليه السلام ركوة فيها ماء أي إنا صغير فجهش الناس إليه فنظر النبي عليه السلام إلى الماء الذي بين يديه فإذا هو ماء قليل ونظر إلى الصحابة وإذا حوله عدد كبير من الصحابة فالتفت غليهم وقال ما بالكم قالوا يا رسول اله ليس عندنا في المعسكر ما نتوضأ ولا ما نغتسل ولا ما نشرب إلا هذا الماء الذي بين يديك فنظر إلى الماء فإذا به ماء قليل ونظر إلى الصحابة فإذا هم كثير وكانوا محاصرين بحيث أنهم لا يستطيعون أن يدخلوا مكة فيرتووا من زمزم أو ما شابه ذلك فوضع النبي في هذا الماء ودعا الله تعالى يقول جابر فوالله لقد رأيت الماء ينبع من بين أصابعه عليه السلام فامتلأ الإناء ويجعل النبي عليه السلام يفرغ في آنية الصحابة وكلما أحضروا إناء أفرغ فيه النبي عليه السلام يقول فوالله ما تركنا في المعسكر من إناء ولا من سقاء إلا ملأناه من ذلك الإناء من إناء النبي عليه السلام.
هذا يدل على بركة النبي عليه السلام في الماء حتى اللبن يكثر ببركته عليه السلام.
ومن الحوادث الدالة على ذلك أيضا ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول أبو هريرة خرجوا من المسجد أي الصحابة الكرام وأنا في جوع شديد وقد لبثت ثلاثة أيام ما ذقت شيئا والصحابة كان يمر بهم أحيانا ظروف في طعامهم وشرابهم لا يجدون طعاما ولا شيئا ولم يفتح عليهم الرزق والغنائم إلا بعد فتح خيبر وكثرة الغنائم عندهم وأبو هريرة من شدة الجوع يريد من أحدهم أن يستضيفه في البيت ومن الصعب أن يقول للصحابة بالله عليك هل تقبلني ضيفا عندك فماذا فعل يقول جئت وجلست عند باب المسجد فخرج عمر قال فجئت وسألته عن آية في كتاب الله تعالى والله ما سألته جهلا بها إنما سألته ليستتبعني أي ليقول له تفضل معي لكنه أجابني وذهب.
قال فخرج أبو بكر فسألته عن آية في كتاب الله والله ما سألته جهلا بها لكن سألته ليستتبعني فأجابني وذهب قال فخرج رسول اله صلى اله عليه وسلم فلما رآني عرف ما في نفسي وما في وجهي وقال أبا هر قلت لبيك يار سول الله قال اتبعني فمضى النبي وهو لا يدري هل في البيت طعام أم لا فوصل إلى بيته فاستأذن فأذن لهم وقال معي رجل فدخل النبي وأبو هريرة فرأى النبي عليه السلام إناء فيه لبن قال ممن هذا قالوا بعث به فلان أو فلانة قال أبو هريرة وأنا أنظر إلى اللبن أنتظر شربه فرفع النبي عليه السلام اللبن وقال أبا هر قلت لبيك يا رسول الله فقال اذهب إلى أهل الصفة وادعهم إلي.
أهل الصفة يا إخوان هم أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل أو مال أي يقبلون من عند أقوامهم ويدخلون في الإسلام فإذا دخل في الإسلام لا يستطيع أن يرجع إلى قومه لأنه أصبح مسلما وزد على ذلك لا يجدون مكانا يسكنون فيه بالمدينة وفي السابق لا شقق مفروشة عندهم وكان الصحابة يجلسون في المسجد ولما كثروا جعل النبي عليه السلام لهم صفة أي عريشا يجلسون تحتها وكان النبي إذا جاءته صدقة بعث بها إليهم لأنه لا يأكل الصدقة وإذا جاءه هدية أشركهم فيها فطلب من أبي هريرة أن يدعو أهل الصفة قال أبو هريرة فقلت في نفسي قد كنت أحق والله أن أصيب من هذا اللبن شربة أطفئ بها جوعي وكنت أقول في نفسي والآن يأتي أهل الصفة فيأمرني وأطوف عليهم ويشربونه وينتهي عني لكن لم يكن هناك بد من طاعة رسول الله فدعاهم طاعة للرسول كما قال تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى اله ورسوله أمرا أن يكون له الخيرة من أمرهم.
لا بد أن يطيع قال فدعوت أهل الصفة وكانوا فوق السبعين رجلا فجاؤوا ودخلوا وتزاحموا في البيت فقال عليه السلام أبا هر خذه وطف عليهم يقول أبو هريرة فكنت أمسك الإناء وأقبل إلى الرجل فأعطيه الإناء فوالله إنه ليشرب ويشرب ويشرب حتى يروى.
لقد كان أحدهم يشرب هكذا لأنه قد يمر عليه ثلاثة أيام لا يأكل فيها كما يفعل أحدنا في الصيام يأكل الكثير من الطعام في السحور لأنه يريد أن يصوم وهذا بطبيعة الإنسان متعود على الأكل.
قال كنت أعطي الرجل فيشرب حتى يروى ثم يدفعه إلي فأعطيه لآخر فيشرب حتى يروى ثم يدفعه الثالث وأبو هريرة ما شرب ورسول الله ما شرب قال حتى شربوا كلهم وجئت بالإناء إلى رسول الله فقال يا أبا هر بقيت أنا وأنت قلت صدقت يا رسول الله قال اشرب قلت لا اشرب أنت يا رسول الله قال اشرب قلن اشرب أنت يا رسول الله قال فشربت وشربت قال اشرب فشربت قال اشرب فشربت قال فما زال يقول لي اشرب حتى قلت يا رسول الله والله لا أجد له مسلكا.
قال فأخذه النبي عليه السلام وقعد وسمى الله تعالى ثم شرب الفضلة.
هذا من معجزات النبي عليه السلام أنه كان يكثر الطعام والشراب واللبن ببركته ومن أعجب ذلك حادثة لطيفة عن المقداد بن عمرو رضي الله عنه يقول المقداد جئت أنا وصاحبان لي إلى المدينة فما أضافنا أحد وكما تعلمون أنه لا يوجد عندهم مكان للسكنى حتى النبي عندما وصل إلى المدينة سكن في دار أبي أيوب حتى بنا عليه السلام بيته.
قال فأضافنا النبي عليه السلام في بيت وفيه عنز أمرنا النبي عليه السلام أن نحلبها كل ليلة ونقسمها إلى أربعة أقسام قسم للمقداد وقسمان لصاحبيه وقسم رابع للنبي عليه السلام.
قال فكنت أشرب أنا وصاحبي فإذا كان النبي عليه السلام موجودا شربه وإذا لم يكن موجودا غطيناه وحفظناه له حتى يأتي وكل ليلة وكانت أعنزا ثلاثة.
وفي يوم من الأيام شرب المقداد قسمه شرب صاحباه قسماهما وبقي قسمة النبي في الليل وهو جائع فقلت في نفسي لعل النبي عليه السلام مر على أحد الأنصار وشرب عندهم فقلت لا هذا لرسول الله لا يجوز أن أشربه ثم قلت لا بد أنه تعشى عند أحد من الصحابة فقمت إلى الإناء وشربته قال فلما استقر في بطني أصابني ما حدث وما بعد فقلت في نفسي الآن يرجع الرسول ويبحث عن اللبن فلا يجده فيدعو على من شربه قال فغطيت الإناء ووضعت نفسي على الفراش وأنا ضائق الصدر قال فبينما أنا كذلك غذ دخل علينا رسول وكان يسلم سلاما يسمع اليقظان ولا يوقظ النائم قال فتصنعت النوم وأنا أرقبه فتوجه النبي إلى إنائه فلما كشف عنه ورفعه لم يجد شيئا فقلت في نفسي الآن سيدعو علي قال فوضع النبي الإناء ورفع يده وقال اللهم أطعم من أطعمني واسق من سقاني قال فقمت وأخذ المدية وتوجهت إلى عنزة أريد ذبحها للنبي عليه السلام فلما أردت أن أذهب لمست ضرعها فإذا هي ملأى قال فأقبلت إلى العنزة الثانية ولمست ضرعها فإذا هي حافل أي مليئة باللبن قال فجئت إلى الثالثة فلمست ضرعها فإذا هي حافل قال فمضيت إلى إنا لنا ما كنا نظن أننا نملؤه فجئت به وحلبت الأولى ثم الثانية ثم الثالثة حتى أزبد أي ملئ لبنا فجئت به إلى رسول الله فقلت يا رسول الله اشرب فنظر النبي عليه السلام فإذا الإناء مليء باللبن فقال يا مقداد أما شربتم عشاءكم الليلة قلت يا رسول الله اشرب قال ما الخبر قلت اشرب ثم أخبرك الخبر قال فشرب النبي عليه السلام ثم وضعه قلت اشرب قال يا مقداد وصاحباك قلت اشرب يا رسول الله.
انظروا إلى حال النبي ليس كما يفعل بعضهم يأكل الأول والآخر ولا يفكر بمن خلفه من الأولاد أو الأهل أو الإخوان.
النبي عليه السلام ما شرب ولم يفكر بغيره بل من شمائله لديه إيثار فشرب وفكر بغيره فشرب النبي وما زلت أقول اشرب اشرب حتى روي قال فأخذت الإناء منه ووضعته على الأرض وضحكت وضحكت حتى استلقيت على قفاي فقال عليه السلام أحدى غدراتك يا مقداد ما الخبر قلت يا رسول الله إني قد شربت اللبن الخاص بك ثم لما أردت أن أنام خشيت دعوتك ولما جئت ودعوت أردت أن تصيبني الدعوة دون غيري فقمت على العنز وأردت أن أذبح لك لكن الله بارك في ضرعها فقال النبي عليه السلام ما كان هذا إلا بركة من الله أفلا كنت أخبرتني لأوقظ صاحبيك ليشربا من هذه البركة فقال المقداد والله ما يهمني إذ أصابتني البركة أنا وأنت أن تصيب غيرنا من الناس.
والمقصود من هذا أن من معجزات النبي عليه السلام ومن آيات نبوته أن الأشياء كانت تكثر ببركته عليه السلام والبركة بلا شك من الله والله تعالى يبارك ما يشاء والله تعالى يبارك في الطعام والشراب واللباس حتى في حياتنا اليوم تجد الإنسان الذي يكتسب المال من حلال يبارك له فيه والذي يكتسبه من حرام تنزع منه البركة وأنا أعرف أحد الناس يعمل في مكان كسبه فيه محرم وعنده أنواع من الربا فتاب الرجل منه وانتقل إلى عمل آخر قال لي هل تصدق أنني كنت أستلم من عملي الأول خمسة عشر ألفا كل شهر والله ما يصل تاريخ عشرين إلا وقد ذهب المال الحرام عني وثوبي يتسخ وولدي يمرض وينتهي المال ولما انتقلت إلى عمل حلال كنت أقبض سبعة آلاف ريال ومع هذا كنت استطيع أن أجمع منه ما أشاء.فالمقصود أن اله تعالى إذا بارك شيئا كما قال عيسى وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا.
والنبي عليه السلام كان يكثر الطعام والشراب ببركته وكان عليه السلام حتى في طريقة شربه يتأدب بالآداب الشرعية التي تزيد البركة في ذلك والنبي عليه السلام عندما يأمرنا بأن يأكل أحدنا بيمينه وأن يشرب بيمينه ولا يتنفس في الإناء لقد نهى النبي عن ذلك وعندما تنضبط أنت بالضوابط الشرعية في طعامك وشرابك وتتبع سنة النبي عليه السلام يجعل الله تعالى بركة لك في هذا الطعام والشراب وبركة في اللباس وفي صدقاتك وفي أصحابك الذين تصاحبهم وفعلا تشعر بأن حياتك مباركة وقد كان النبي عليه السلام من آدابه في مثل ذلك أنه كان يؤثر غيره حتى في طعامه وشرابه انظر عندما أتى أبو هريرة باللبن ما قال النبي هذا اللبن لي ولك إنما شرب الناس كلهم ثم شرب أبو هريرة بعد أصحاب الصفة ثم شرب النبي وكان آخرهم شربا وربما كان أكثرهم جوعا.
شعوره بحاجات غيره هذا أمر مهم والنبي عليه السلام يقول والله لا يؤمن واله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله قال من يبيت شبعان وجاره جائع.
فكم من الناس اليوم للأسف لا يشعر بحاجات غيره والنبي عليه السلام يرى أبا هريرة ويعرف في وجهه الجوع ويقول له تعال يا أبا هريرة أما بعض الناس اليوم لا يهتم بذلك وأنا أقول ينبغي مع سماعنا لهذه الدلائل والمعجزات من النبي عليه السلام أن لا نقف فقط على كونها معجزة بل نزيد على ذلك أن نعرف ما فيها من فوائد وسنن نستطيع أن نقتدي بها.
نصلي على النبي عليه السلام وأسأل الله تعالى أن يصلي الله علي ما ذكره الذاكرون الأبرار وما تعاقب الليل والنهار