ألحان ٌ .. .. وَأشْجَانٌ
د. محمد بن عبد الرحمن العريفي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي امتن على عباده بالأسماع والأبصار ..
وكرم الإنسان ورفع له المقدار ..
واصطفى من عباده المتقين الأبرار ..
فوفقهم للطاعات .. وصرفهم عن المنكرات .. وأعدّ لهم عقبى الدار ..
أحمده سبحانه .. فهو الذي خلق المنطق واللسان ..
وأمر بالتعبد وذكر الرحمن .. ونهى عن الغيبة ومنكر البيان ..
فسبحانه من إله عظيم .. يحصي ويرقب .. ويرضى ويغضب ..
وينصب الميزان .. يوم تنطق الجوارح .. وتبين الفضائح ..
فإذا هم قد أحصيت أعمالهم .. وهتكت أستارهم .. وفشت أسرارهم .. ونطقت أيديهم وأرجلهم ..
فأشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين ..
وأشهد أن محمداً عبده المصطفى .. ونبيه المجتبى .. ورسوله المرتضى .. الذي لا ينطق عن الهوى ..
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين .. أما بعد :
فهذه رسالة .. أبعثها إلى أخوة وأخوات .. من المؤمنين والمؤمنات ..
أحب لهم الخير والهدى .. وأكره لهم الشر والردى ..
إنها صيحة في جموع الغافلين .. اللاهين السادرين ..
إنها أشجان .. أصرخ بها .. في آذان سلم الله سمعها .. وعقول كمل الله لبها .. وأجساد زاد الله حسنها .. بل إنها صرخات نذير .. ونداءات تحذير .. أهتف بها في الجموع .. لعل عاصياً يتوب .. أو مفتوناً يئوب ..
* * * * * * * * *
إنها ألحان جرت إلى أشجان .. وضحكات انقلبت حسرات .. وجلسات غمرت بالويلات ..
إنها عبرات .. أنثرها بين يدي أقوام فتنت قلوبهم .. بالمعازف والألحان .. هاجت لها أحاسيسهم .. وتعلقت بها نفوسهم ..
أبعثها إليهم .. لأني أعلم أنهم مؤمنون موحدون .. تشتاق نفوسهم إلى الجنات .. ويعظمون رب الأرض والسموات ..
هم خلان لنا وأصحاب .. بل إخوة وأحباب .. نرجو أن يجمعنا الله بهم في الجنات ..
ولإن كان الشيطان تغلب عليهم تارة .. فهم أهل أن يغلبوه تارات ..
* * * * * * * * * *
ولكن ماذا أقول .. وبماذا أبدأ .. نعم .. ماذا أقول عن الغناء ..
صوتِ العصيان.. وعدوِّ القرآن.. ومزمارِ الشيطان.. الذي يزمر به فيتبعه أولياؤه..
ماذا أقول عن الغناء ..
وهو قرآن الشيطان .. والحجاب عن الرحمن ..
فلو رأيتهم عند سماع الغناء .. وقد علت منهم الأصوات .. وهاجت منهم الحركات ..
يتمايلون تمايل السكران .. ويتكسرون تكسر النسوان ..
وكم من قلوب هناك تمزق .. وأموالٍ في غير طاعة الله تنفق ..
قضوا حياتهم لذة وطرباً .. واتخذوا دينهم لعباً ولهواً ..
ماذا أقول عن الغناء ..
وما أدمن عليه عبد إلا استوحش من القرآن والمساجد .. وفر عن كل راكع وساجد ..
وغفل عن ذكر الرب المعبود .. واستأنس باصوات النصارى واليهود ..
وابتلي بالقلق والوساوس .. وأحاط به الضيق والهواجس ..
فسل ذا خبرة ينبيك عـنـه *** لتعلم كم خبايا في الزوايـا
وحاذر إن شغفت به سهامـاً *** مريشة بأهداب المــنـايا
إذا ما خالطت قلبا كــئيباً *** تمزق بين أطباق الــرزايا
ويصبح بعد أن قد كان حـراً *** عفيف الفرج عبداً للصبايا
* * * * * * * * * *
ماذا أقول عن الغناء ؟
وقد تغلب على بعض العقول وطغى .. وزاد في الضلال وبغى ..
بل لو سألت بعض الناس اليوم .. عن النبي عليه السلام .. عن سنة من سننه .. أو هدي من هديه .. أو طريقة منامه .. واستيقاظه وأكله ..
لقال لك : لا أدري .. وكيف له أن يدري ؟! بل ومن أين يدري ..
وهو يعكف على هذه الأغاني آناء الليل وأطراف النهار؟ ..
فيدري عن المغنية فلانة .. كيفية أكلها .. ولون ثوبها .. ومقاس حذائها .. وعدد حفلاتها .. وأسماء ملحنيها ..
ويدري عن المغني فلان .. عن سيارته .. وعدد أشرطته .. وألحان أغنياته
وكأن أحدهم عالم جليل .. أو مجاهد نبيل ..
* * * * * * * * * *
وما خلق الله العباد .. لأجل غناء وفساد ..
وإنما خلقهم ليعبدوه .. ويحموا الدين وينصروه ..
ومن عاش عيش المؤمنين .. ورفع راية الدين .. لم يلتفت إلى شيء من ذلك ..
نعم لم يلتفت إلى رقص راقص .. ولم يستفزه عزف عازف ..
بل أدرك سرّ وجوده في الحياة .. فعاش لأجله ومات ..
وانظر .. إلى الذين يعيشون للإسلام .. يحيون من أجله .. ويموتون منه أجله .. ويسكبون دماءهم فداء له ..
أقوام صالحون فطنا .. طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا ..
بذلوا لربهم حياتهم .. وأنفقوا له موالهم .. وأذلوا بين يديه جباههم .. وفارقوا لأجله أوطانهم ..
يأخذ ربهم من دمائهم .. يغسل بها سيئاتهم .. ويطيب حسناتهم ..
وانظر إلى صهيب الرومي رضي الله عنه ..
كان عبداً مملوكاً في مكة .. فلما جاء الله بالإسلام .. صدق وأطاع .. فاشتد عليه عذاب الكافرين ..
ثم أذن النبي عليه الصلاة والسلام للمؤمنين بالهجرة إلى المدينة .. فهاجروا ..
فلما أراد أن يهاجر معهم منعه سادة قريش .. وجعلوا عنده بالليل والنهار من يحرسه .. خوفاً من أن يهرب إلى المدينة ..
فلما كان في إحدى الليالي .. خرج من فراشه إلى الخلاء .. فخرج معه من يرقبه ..
ثم ما كاد يعود إلى فراشه حتى خرج أخرى إلى الخلاء .. فخرج معه الرقيب ..
ثم عاد إلى فراشه .. ثم خرج .. فخرج معه الرقيب ..
ثم خرج كأنه يريد الخلاء .. فلم يخرج معه أحد .. وقالوا : قد شغلته اللات والعزى ببطنه الليلة ..
فتسلل رضي الله عنه .. وخرج من مكة .. فلما تأخر عنهم .. خرجوا يلتمسونه .. فعلموا بهربه إلى المدينة ..
فلحقوه على خيلهم .. حتى أدركوه في بعض الطريق .. فلما شعر خلفه .. رقى على ثنية جبل ..
ثم نثر كنانة سهامه بين يديه .. وقال :
يا معشر قريش .. لقد علمتم والله أني أصوبكم رمياً .. ووالله لا تصلون إليَّ حتى أقتل بكل سهم بين يدي رجلاً منكم ..
فقالوا : أتيتنا صعلوكاً فقيراً .. ثم تخرج بنفسك ومالك ..
فقال : أرأيتم إن دللتكم على موضع مالي في مكة .. هل تأخذونه .. وتدعوني أذهب ..
قالوا : نعم ..
فقال : احفروا تحت أسكفة باب كذا فإن بها أواقي من ذهب .. فخذوه ..
واذهبوا إلى فلانة فخذوا الحلتين من ثياب ..
فرجعوا وتركوه ..
ومضى يطوي قفار الصحراء .. يحمله الشوق ويحدوه الأمل .. في لقاء النبي عليه السلام وأصحابه ..
حتى إذا وصل المدينة .. أقبل إلى المسجد فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. في المسجد ..
وعليه أثر الطريق .. ووعثاء السفر ..
فلما رآه النبي عليه الصلاة والسلام .. قال : ربح البيع يا أبا يحيى .. ربح البيع يا أبا يحيى .. ربح البيع يا أبا يحيى .. ..
نعم والله ربح البيع ..
ولماذا لا يربح البيع .. وهو الذي هان عليه أن يترك المال الذي جمعه بكد الليل وتعب النهار .. ويترك الأرض التي ألفها .. والبلد التي عرفها .. والدار التي سكنها .. في سبيل طلب مرضاة الله ..
ولماذا لا يكون جزاؤه كذلك .. وهو الذي لم يلتفت إلى لهو ومعازف .. ولم يدنس دينه ويقارف ..
وإنما سمت به نفسه إلى سماع كلام الرحمن ..والتقلب في الجنان ..قال الله..
{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ..
وعند أحمد بسند حسن .. عن جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال :
أن النبي عليه السلام .. خرج مع بعض أصحابه يوماً .. فلما برزوا من المدينة ..
فإذا راكب يوضع نحوهم .. فصوب النبي عليه السلام إليه بصره .. ثم التفت إلى أصحابه فقال : كأن هذا الراكب إياكم يريد ؟!
فأقبل الرجل على بعيره حتى وقف عليهم .. ثم أخذ ينظر إليهم ..
فقال له النبي عليه السلام : من أين أقبلت ؟
فقال الرجل .. وهو يئن من شدة الطريق .. ووعثاء السفر .. : أقبلت من أهلي .. وولدى .. وعشيرتي ..
فقال صلى الله عليه وسلم : فأين تريد ؟ قال : أريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
قال : فقد أصبته ..
فابتهج الرجل..وتهلل وجهه..وقال:يا رسول الله ..علمني ما الإيمان ؟
قال : تشهد أن لا إله إلا الله .. وأن محمداً رسول الله ..
وتقيم الصلاة .. وتؤتى الزكاة .. وتصوم رمضان .. وتحج البيت ..
قال : قد أقررت ..
فما كاد الرجل يتم إقراره بالإسلام .. حتى تحرك به بعيره ..
فدخلت يد البعير في جحر جرذان .. فهوى البعير على الأرض .. وهوى الرجل من فوقه .. فوقع على هامته .. فما زال ينتفض حتى مات ..
فقال النبي عليه السلام : عليَّ بالرجل ..
فوثب إليه عمار بن ياسر .. وحذيفة .. فأقعداه فلم يقعد .. وحركاه فلم يتحرك .. فقالا : يا رسول الله .. قُبِض الرجل .. مات ..
فالتفت إليه النبي عليه السلام .. ثم أعرض عنه فجأة ..
ثم التفت إلى حذيفة وعمار .. وقال : أما رأيتما إعراضي عن الرجل ..؟!
فإني رأيت ملكين ( وفي رواية رأيت زوجتيه من الحور العين ) يدسان في فيه من ثمار الجنة .. فعلمت أنه مات جائعاً ..
* * * * * * * * * *
نعم .. أقوام عرفوا للخالق حقه .. فصدقوا في حبه .. وتنعموا بقربه .. وشكروا له نعمته ..
كلما زادت نعم الله عليهم .. ازدادوا لفضله شكرا .. وله حبا وتعبداً ..
أقبل رجل إلى إبراهيم بن أدهم .. فقال : يا شيخ .. إن نفسي .. تدفعني إلى المعاصي .. فعظني موعظة ..
فقال له إبراهيم : إذا دعتك نفسك إلى معصية الله فاعصه .. ولا بأس عليك .. ولكن لي إليك خمسة شروط ..
قال الرجل : هاتها ..
قال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله فاختبئ في مكان لا يراك الله فيه ..
فقال الرجل : سبحان الله ..كيف أختفي عنه ..وهو لا تخفى عليه خافية..
فقال إبراهيم : سبحان الله .. أما تستحي أن تعصي الله وهو يراك .. فسكت الرجل .. ثم قال : زدني ..
فقال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله .. فلا تعصه فوق أرضه ..
فقال الرجل : سبحان الله .. وأين أذهب .. وكل ما في الكون له ..
فقال إبراهيم : أما تستحي أن تعصي الله .. وتسكن فوق أرضه ؟
قال الرجل : زدني ..
فقال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله .. فلا تأكل من رزقه ..
فقال الرجل : سبحان الله .. وكيف أعيش .. وكل النعم من عنده ..
فقال إبراهيم : أما تستحي أن تعصي الله .. وهو يطعمك ويسقيك .. ويحفظ عليك قوتك ؟ قال الرجل : زدني ..
فقال إبراهيم : فإذا عصيت الله .. ثم جاءتك الملائكة لتسوقك إلى النار .. فلا تذهب معهم ..
فقال الرجل : سبحان الله .. وهل لي قوة عليهم .. إنما يسوقونني سوقاً ..
فقال إبراهيم :فإذا قرأت ذنوبك في صحيفتك ..فأنكر أن تكون فعلتها..
فقال الرجل : سبحان الله .. فأين الكرام الكاتبون .. والملائكة الحافظون .. والشهود الناطقون ..
ثم بكى الرجل .. ومضى .. وهو يقول :
أين الكرام الكاتبون .. والملائكة الحافظون .. والشهود الناطقون ..
* * * * * * * * * *
نعم .. هؤلاء قوم تسامت نفوسهم عن الهوى والألحان .. وتعلقوا بنعيم الجنان ..
فلم يفلح الشيطان في جرهم إلى شهوات .. أو مجالس منكرات ..
زمر الشيطان لهم فلم يتبعوه .. وصاح بهم فلم يجيبوه .. فصاروا من عباد الله المخلصين ..
واستمع إلى ما حكاه الله عن الشيطان .. لما عصى أمر بالرحمن .. وأبى أن يسجد لآدم عليه السلام ..
فطرده الرب من الجنان .. وحكم عليه بالنيران ..
فحقد الشيطان على آدم وذريته .. وقال لرب العالمين :
( أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً * قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) ..
وصوت الشيطان هو الغناء ..
يحضر معه الشيطان .. ويغلب على الإنسان .. فما بالك إذا اقترن بكلمات رقيقة .. وألحان صفيقة ..
طلب ملك الروم من أحد الخلفاء أن يرسل إليه رسولاً عاقلاً ..
فأرسل إليه الإمام أبا بكر الباقلاني ..
فلما أقبل الباقلاني على مجلس الملك .. أمروه أن يدخل راكعاً فأبى ..
فقال الملك أدخلوه من الباب الآخر .. وكان باباً صغيراً .. لا بد للداخل منه أن يحني رأسه ..
فلما أقبل الباقلاني على الباب .. ولى الباب ظهره .. ودخل يمشي القهقرى على قفاه ..
ثم اعتدل ووقف أمام الملك .. فلما رأى الملكُ فطنته وعقلَه ..
أمر عازفاً عنده أن يضرب بآلة معه .. وكان لا يسمعها أحد إلا تمايل لها .. وطرب واهتز ..
فلما سمعها الباقلاني .. ورأى الناس يتمايلون ..
مال على أصبع يده أو رجله واجتهد حتى جرحه .. ونزف منه الدم ..
فأشغله ألم الجرح عن السماع .. خوفاً من تسلط الشيطان ..
رأت عائشة رضي الله عنهما رجلاً يحرك رأسه طرباً يمنة ويسرة .. فقالت :
أف .. شيطان .. أخرجوه .. أخرجوه ..
نعم .. صوت الشيطان الغناء ..
ألا ترى أنه يثير الغرائز والآثام .. ويدعو إلى الاختلاط وأنواع الحرام ..
ولعمر الله كم من حرة صارت بالغناء من البغايا ؟!
وكم من حر أصبح به عبداً للصبيان و الصبايا ؟!
وكم من غيور تبدل به اسماً قبيحاً بين البرايا ؟!
وكم من غني أصبح به فقيراً بعد المطارف والحشايا ؟!
وكم من معافى أحل به أنواع البلايا ؟!
بالله عليكم ..
هل سمعتم مغنياً غنى يوماً في التحذير من الزنا وشرب المسكرات ؟
أو الأمر بغض البصر والعفة عن الشهوات ؟
أو حفظ أعراض المسلمين ؟!! أو شهود صلاة الجماعة مع المؤمنين ؟
كلا.. ما سمعنا عن شيء من ذلك .. بل يبدأ أغنيته بقوله ..
يا حبيبي .. يا بعد روحي .. ثم يصف الخد والقد .. والعينين والوجنتين .. وهذا ظاهر من أسماء الأغاني نفسها .. فأغنية بعنوان :
آه يا زين .. آخر غرام .. الهوى ما هو كلام ..ليلة حبيبي .. سألت علي بحبها .. يا اهل الهوى .. آه يا ويلي ..
وما تكاد تسمع فيها إلا الحبَّ والغرام.. والعشق والهيام ..
مع ما فيه من فتنة الرجال بأصوات النساء .. والنساء بأصوات الرجال ..
وما فيه من تغنج ودلال ..
* * * * * * * * * *
وإنك لتعجب.. وتعجبين.. إذا علمت أن قوله تعالى للمؤمنات :{ ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن }..
معناه : أن لا تضرب المرأة برجلها الأرض بقوة وهي لابسة خلاخل في قدميها.. حتى لا يسمع الرجال صوت الخلاخل فيفتنون ..
عجباً ..
إذا كان هذا حراماً.. فما بالك بمن تغني وتتمايل .. وترفع صوتها بالضحكات.. والهمسات.. كيف بمن تتكسر في صوتها .. وتتميع في كلامها .. تتأوه ووتتغنج .. فتثير الغرائز والشهوات .. وتدعوا غلأى الفواحش والنمكرات ..
وهذا كله من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.. وقد توعد الله من فعل ذلك بقوله : { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون} ..
وهذا الوعيد في الذين يحبون أن تشيع الفاحشة.. فقط مجرد محبة.. لهم عذاب أليم.. فكيف بمن يعمل على إشاعتها.
* * * * * * * * * *
لذا قال ابن مسعود : الغناء رقية الزنا.. أي أنه طريقُه ووسيلتُه..
عجباً.. هذا كان يقوله ابن مسعود لما كان الغناء يقع من الجواري والإماء المملوكات.. يوم كان الغناء بالدفّ والشعر الفصيح..
ليس فيه رقصات .. ولا لمسات .. ولا همسات ..
يقول هو رقية الزنا..
فماذا يقول ابن مسعود لو رأى زماننا هذا.. وقد تنوّعت الألحان.. وكثر أعوان الشيطان.. فأصبحت الأغاني تسمع في السيارات والطائرات ..
والمطارات .. بل وألعاب الأطفال .. وأجهزة الجوال .. والبر والبحر..
فالغناء والله .. هو رقية الزنا .. وداعية الخنا .. ومزمار الفساد .. وضلال العباد ..
ذكر ابن قدامة في التوابين .. أن رجلاً عابداً .. مر يوماً ببيتٍ فسمع جارية تغني من داخل البيت .. فوسوس له الشيطان .. فبطأ خطاه ليسمع
فرآه صاحب الدار .. فخرج إليه وقال : هل لك أن تدخل فتسمع ؟
فتأبى عليه .. فلم يزل به حتى تسمح وقال : أقعدني في موضع لا أراها ولا تراني ..
فقال صاحب الدار : أجعل بينكما ستراً ..
فدخل وجلس خلف الستر .. فتغنت وتغنجت وتأوهت فأعجبته .. واشتاق إليها ..
فقال صاحب الدار : هل أكشف الستر ؟ قال : لا ..
فلم يزل به .. حتى كشفه فرآها .. فاجتمعت فتنة السمع والبصر ..
فلم يزل يسمع غناءها حتى شغفت به وشغف بها .. وأصبح في كل يوم يستمع إليها .. وافتضح أمره وأمرها .. فلما تمكن الشيطان منهما .. قالت له يوماً :
أنا والله أحبك .. قال : وأنا أحبك .. فدعته إلى الفاحشة .. وقالت : ما يمنعك ؟ فوالله إن الموضع لخال ..
فانتفض وقال : بلى ولكن لا آمن أن أفاجأ بالقضا .. ثم بجمر كالغضا .. ثم بسياط وزقوم .. وتهويل ورجوم .. ثم نهض من عندها .. وعيناه تذرفان .. فلم يرجع بعد إليها ..
فانظر كيف كاد أن يهلكه الشيطان .. بسماع العزف والألحان ..